
أبو الوليد، أحمد بن عبدالله بن أحمد بن غالب بن زيدون المخزومي الأندلسي، وزير وكاتب وشاعر من أهل قرطبة، ولد في العام الثالث بعد الألف من الميلاد، وعام ثلاثمئةٍ وأربعةٍ وتسعين من الهجرة، كان أبوه قاضيًا في قرطبة، وجيهًا جمَّ العلم والأدب، فنشأ ابن زيدون ميالًا إليهما، وساعده على الانكباب على العلم نشأتَه في قرطبة، التي كانت موئل العلوم والآداب في الأندلس.
تمتع ابن زيدون بالفطانة والذكاء والنبوغ في كافة ربوع العلوم، والأهمُّ من ذلك نبوغه في الشعر والنظم، فحفظ كثيرًا من آثار الأدباء وأخبارهم، وأمثال العرب وحوادثهم، ومسائل اللغة، وأصبح بذلك علمًا من أعلام العلم والأدب في قرطبة، ونال شهرة واسعة في مجالسها الأدبية والاجتماعية.
كان ابن زيدون منذ صغره ذا شخصية بارزة في علاقاته مع الناس، ثم كان في شبابه ذا طموح سياسي قوي، فقد عاش حياة الصبا في قرطبة، في أحلك عهودها وأظلم عصورها في عهد غروب شمس الخلافةِ الأموية في الأندلس وزوال نورها وانطفاء نجمها.
كان ابن زيدون له باعٌ طويل في السياسة، فقد أسهم في تأسيس دولة بني جَهْور في قرطبة، حيث اشترك في ثورة أبي الحزم بن جهور على آخر خلفاء بني أمية لقلب الحكم، فبوأه ذلك مكانة كبيرة عند ابن جهور، فجعله كاتبه ووزيره.
من آثاره: دوواينٌ شعريّةٌ فيها من المدح والرّثاء والغزل والوصف، كما وله من الرّسائل الجديّة والهزليّة ما يتّصل بحياته العاطفيّة الّتي اشتملت على حبّه لولّادةِ بنتَ المستكفي، التي كانت أميرةٌ وشاعرةٌ أندلسيةٌ من بني أمية، فقد كان يحبها حبًا جمًا، حتى أنه نظم لها قصيدةً كاد فيها أن يذوبَ أسىً وألمًا على فراقها، ويحترق شوقًا لها، يقول في مطلعها:
أضحى التنائي بديلا من تدانينا ونابَ عن طيبِ ُلقيانا تجافينا
أَلّا وَقَد حانَ صُبحُ البَينِ صَبَّحَنا حَينٌ فَقامَ بِنا لِلحَينِ ناعينا
توفي ابن زيدون في اشبيلية ودفن فيها في أول رجب عام أربعميةً وثلاثة وستين هجرية في عهد المعتمد على الله بن عباد.
هذه القصيدة مليئة بالحِكَم والتأملات حول الحياة وتقلباتها، يلخص الشاعر فيها فلسفته في التعامل مع الدنيا، ويركّز على الصبر والثبات أمام المحن والابتعاد عن اليأس والجزع.
يدعو الشاعر فيها للتحلّي بالصبر والحكمة في مواجهة تقلبات الزمن وعدم الانجرار وراء الأوهام، فالدنيا بطبيعتها متقلبة، وعلى الإنسان أن يكون قويًا أمام صعابها.
أَصِخ لِمَقالَتي وَاِسمَع
وَخُذ فيما تَرى أَو دَع
وَأَقصِر بَعدَها أَوزِد
وَطِر في إِثرِها أَو قَع
أَلَم تَعلَم بِأَنَّ الدَه
رَ يُعطي بَعدَما يَمنَع
وَأَنَّ السَعيَ قَد يُكدي
وَأَنَّ الظَنَّ قَد يَخدَع
وَكَم ضَرَّ اِمرِأً أَمرٌ
تَوَهَّمَ أَنَّهُ يَنفَع
فَإِن يُجدِب مِنَ الدُنيا
جَنابٌ طالَما أَمرَع
فَما إِن غاضَ لي صَبرٌ
وَما إِن فاضَ لي مَدمَع
وَكائِن رامَتِ الأَيّا
مُ تَرويعي فَلَم أَرتَع
إِذا صابَتنِيَ الجُلّى
تَجَلَّت عَن فَتىً أَروَع
عَلى ما فاتَ لا يَأسى
وَمِمّا نابَ لا يَجزَع
تَدِبُّ إِلَيَّ ما تَألو
عَقارِبُ ما تَني تَلسَع
كَأَنّا لَم تُؤالِفنا
زَمانٌ لَيِّنُ الأَخدَع
إِذِ الدُنيا مَتى نَقتَد
أَبِيَّ سُرورِها يَتبَع
وَإِذ لِلحَظِّ إِقبالٌ
وَإِذ في العَيشِ مُستَمتَع
وَإِذ أَوتارُنا تَهفو
وَإِذ أَقداحُنا تُترَع
وَأَوطارُ المُنى تُقضى
وَأَسبابُ الهَوى تَشفَع
فَمِن أُدمانَةٍ تَعطو
وَمِن قُمرِيَّةٍ تَسجَع
أَعِد نَظَراً فَإِنَّ البَغ
يَ مِمّا لَم يَزَل يَصرَع
وَلا تَطِعِ الَّتي تُغوي
كَ فَهِيَ لِغِيِّهِم أَطوَع
تَقَبَّل إِن أَتى خَطبٌ
وَأَنفُ الفَحلِ لا يُقرَع
وَلا تَكُ مِنكَ تِلكَ الدارُ
بِالمَرأى وَلا المَسمَع
فَإِنَّ قُصارَكَ الدِهليزُ
حينَ سِواكَ في المَضجَع